کد مطلب:266668 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:243

کلمة المؤسسة
بسم الله الرحمن الرحیم

الحمدلله رب العالمین، وصلی الله علی محمد وعلی أهل بیته الطیبین الطاهرین.

وبعد:

فإذا سلمنا متوافقین بأنه لم تستغرق قضیة عقائدیة قط - طوال حقب وقرون متلاحقة - مساحة كبیرة فی الافق الفكری الاسلامی ما استغرقته مسألة الخلافة والامامة بعد رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)، فان مااستتبعته بعد ذلك من امتدادات متفرعة مثلت الحلقات المتصلة والممتدة من خلالها، نالت ایضاً من كل ذلك الاحتدام والمنازلة الفكریة الحظ الاوفر، والنصیب الأكبر.



[ صفحه 6]



وقد مثلت مسألة خلافة وامامة الإمام الثانی عشر (علیه السلام)، وغیبته، وما یرتبط بها، الحلقة الأوسع، والمیدان الارحب، بل واكثرها خضوعاً للجدل الفكری، والنزال الكلامی المتواصل، والذی ندر أن جالت خطی المتناظرین فی التحاجج بمعتقد - بعد أصل الامامة الذی أشرنا الیه - قدر ما جالت فی جوانبها وأبعادها، مراراً متلاحقة ومتوالیة، بحیث لم تترك شاردة ولا واردة إلا وأقامتها بحثاً لها عن الحجة والدلیل، والبینة والبرهان.

ولا مغالاة - قطعاً - فی القول بأن لمفكری ومتكلمی الإمامیة طوال حقب الجدل والمناظرة الفكریة المتلاحقة هذا الباع الطویل، والمدی العمیق الغور فی إثبات وإقرار معتقداتهم، وإفحام خصومهم بحججهم القائمة علی الأدلة المتینة والثابتة القویة.

نعم، فإذا ثبت بالدلیلین العقلی والنقلی صحة مقولة الشیعة الإمامیة بأصل الإمامة، وعصمة الإمام، وأنسحاب ذلك كله علی إمامة الإمام الثانی عشر (علیه السلام)، وما یعینه ذلك من احتوانه لمبدأ الإقرار بالغیبة الحاصلة له (علیه السلام)، وما تشتمل علیه وتحیط به، فإن ذلك یستلزم تبعاً لذلك - ونتیجة الخلاف العقائدی فی التعامل معه من قبل غیر الشیعة من الفرق الإسلامیة المختلفة - توفر ووسائل المحاجة المستندة علی هذین الدلیلین المتقدمین، والتی تتجسد فی أوضح صورها بما نسمیه بـ: علم الكلام، الذی یراد منه إثبات حقیقة وصواب هذه العقائد.

ولعل الاستقراء المتأنی لمجمل هذه المساجلات الكلامیة الی اضطلع بها مفكرو الإمامیة، وبالتحدید ما یتعلق منها بمبحث غیبة الإمام المهدی (علیه السلام) یظهر بجلاء بین قدرتهم الكبیرة فی إدارة حلقات البحث هذه، وإمساكهم بجدارة لا تساجل زمامها وقیادها، وتسلیم الخصم - إقراراً وإذعاناً - بذلك، وطوال سنین ودهور امتدّت منذ بدایة عصر الغیبة الكبری فی عام 329هـ،



[ صفحه 7]



وحتی یومنا هذا.

والرسالة الماثلة بین یدی القارئ الكریم عینة صادقة من تلك المناذج الفاخرة التی أشرنا إلیها، والتی أبدع یراع علم كبیر من أعلام الطائفة فی تسطیرها وإعدادها، وهوالسید المرتضی علم الهدی علی بن الحسین الموسوی رحمه الله تعالی برحمته الواسعة، حیث تعرض فیها إلی الكثیر من المفردات الخاصة بغیبة الإمام المهدی المنتظر (علیه السلام)، مجیباً من خلالهاعلی مجمل التساولات المثارة فی هذا الصدد، بأسلوب رصین، واسدلال متین، أقرّ به من طالعه وتأمل فی فحواه، بل وأصبح من المراجع المهمة التی اعتمدها أعلام الطائفة فی بحوثهم ومؤلّفاتهم، حیث أشار محقق هذه الرسالة إلی جملة وافرة من تلك الموارد.

ولا یعد قطعاً إطلاق هذا القول من قبیل ما یوصم بأنّه علی عواهنه، إذا إن الدراسة الموضوعیة لمباحث هذه الرسالة، وموارد النقاش التی تعرضت لها، وعرضها علی الظروف الفكریة التی كانت سائدة آنذاك علی سطح الساحة الفكریة الإسلامیة بمداخلاتها المتعددة، وتشابكاتها، المعقدة، وما رافقها من بروز جملة مختلفة من التیارات الفكریة، التی بدت أوضح صورها وأثقلها فی مدرستی الأشاعرة والمعتزلة العریقتی القدم، كل ذلك یقطع بجلاء علی عمق المبانی والأطروحات التی اعتمدها المؤلف (رحمه الله) فیها.

ولا یخفی علی القارئ الكریم مناهج البحث والمناظرة التی كانت سائدة آنذاك بین أعلام ومفكری الفرق الإسلامیة، وما تستتبعه بعد من تركیزٍ وإقرار للأطروحات الغنیة محل البحث، ورفض وإعراض عما سقم وقصر منها، وحیث تدور رحاها فی مجالس العلم والمذاكرة التی تكتض بالعلماء والمفكرین، فلا غروأن یستحث كل طرف من المتباحثین قدارته وإمكانیاته فی إثبات مدعاه، ودفع خصمه إلی الإقرار به، وإقناع الآخرین



[ صفحه 8]



بذلك.

ومن هنا فلسنا بمغالین قطعاً إذا جزمنا بمتانة وقوة استدلالات هذه الرسالة، ودقة مباحثها، ورصانة مبانیها، وحیث یبدو ذلك جلیاً لمن طالعها بتأن، وجال بتدبر فی مطاویها.

وأخیراً:

ونحن إذا نقدم هذه الرسالة القیّمة بین یدی القارئ الكریم، فإنا بذلك نواصل منهجنا باستلال جملة من الرسائل المنشورة علی صفحات مجلة «تراثنا» خلال سنوات عمرها الماضیة، وكانت هذه الرسالة قد نشرت محققة علی صفحاتها فی عددها السابع والعشرین، الصادر فی شهر ربیع الآخر عام 1412 هـ، بتحقیق المحقق الفاضل السید محمدعلی الحكیم.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمین، وصلی الله علی محمد وعلی أهل بیته الطیبین الطاهرین.

مؤسسة آل البیت (علیهم السلام)

لإحیاء التراث



[ صفحه 9]